في زمان ترى فيه تسارع أعدائنا في إستهداف شبابنا وفتياتنا، زمان كثر فيه الناعقون بإسم الدين وهو منهم براء، زمان يعج بالفتن، كبحر هاجت به الريح فتلاطمت أمواجه، إلا أنه ثلة من فتياتنا، وأخواتنا وبنياتنا كنَّ كجلمود صخر تحطمت عليها آمال المفسدين ومخططات المغرضين.
لله درهنّ نساء صالحات مصلحات، حملن هم هذا الدين وأشعلن مصابيح الهدى في طرقات إعتلاها الظلام.
حملنها سائرات بها في قوافل الداعيات وركاب الصالحات على خطى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، سائرات في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} [يوسف:108].
وأثناء مسير القافلة إذ بنا نسمع صوتاً قادماً من بعيد يهتف قائلاً:
أريد أن ألحق بركبكم وأنظم لقوافلكم فإن قلبي يتفطر والحماس بلغ مني مبلغه لكنني أعاني من الخجل فكيف أكون داعية؟.
نعم.. إن هذا الأمر تعانيه كثير من الصالحات هي تحمل في قلبها الخير الكثير، وترى فيها حرقة لخدمة دينها والدعوة إليه ولكن يحول بينها وبين تحقيق طموحاتها الخجل.
ونحن هنا لا نقصد به الحياء المحمود فالحياء مطلوب شرعاً بل هو من الإيمان قال صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان» مسلم.
[] إذاً ما الفرق بين الحياء والخجل؟.
= الحياء: خُلق يبعث على فعل الجميل وترك القبيح، وهو لا يمنع الشخص من قول الحق والدعوة إليه قال تعالى: {والله لا يستحيي من الحق} [الأحزاب:53].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إستحيوا من الله حق الحياء»، قلنا: إنا نستحيي من الله يا رسول الله والحمد لله قال: «ليس ذلك.. الإستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة، وآثر الآخرة على الأولى، فمن فعل استحيا من الله حق الحياء» الترمذي.
= الخجل: هو ضعف في الشخصية، يشعر المرء بالنقص، ويمنعه من ممارسة التصرفات السليمة، وقول الحق خوفاً من الناس وتجنباً لإنتقاداتهم.
[] أسباب الخجل في مجال الدعوة:
لاشك أن الخجل يعود لأسباب عديدة نذكر منها:
1= طبيعة التربية التي تلقتها الفتاة منذ الصغر، فجعلت منها شخصية مضطربة تشعر بالنقص.
2= إعطاء الناس أكبر من حجمهم، وتهويل الموقف، يجعلك تحجمين عن المواجهة.
3= عدم الإستعداد النفسي للموقف مما يجعلك ترتبكين ولا توصلين الرسالة التي تودين إيصالها.
4= الخوف من الفشل، وإعطاء تصورات سلبيه بأنكِ عاجزة وغير قادرة.
5= التوجس من ردة فعل الشخص المنصوح وأنه قد يهاجمك بأسلوب جارح.
كل هذه الأسباب وغيرها قد تؤدي بالداعية إلى القلق وعدم الإقدام في مجال النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
[] حتى تتجاوزي أسوار الخجل:
نحن لا نريد أن نرى فتاة الإسلام ذات شخصية سلبية ترى المنكر ثم تعرض عن إنكاره، وترى المعروف فلا تذكِّر به خوفاً من الناس وتردداً لا، بل نريدك كغيث إذا أقبل إستبشر الناس به، وإذا حط فيهم نفعهم، وإذا رحل عنهم ترك فيهم أثراً.
وإليك بعض النصائح والتوجيهات لعلها تفيدك في هذا المجال:
1) عليك بصدق الإلتجاء إلى الله، وطلب المعونة منه دائماً..قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً} [الطلاق:3].
2) عليك بذكر الله كثيراً، فهو سبب لإنشراح قلبك ونزول الطمأنينة عليه..قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد:28].
3) إسلكي منهج التدرج في النصح، فإبدئي بنصح أخوتك في البيت ثم إنطلقي لصديقات المقربات ثم وسعي الدائرة شيئاً فشيئاً حتى تعتادي على ذلك.
4) إقرئي في سير سلفنا الصالح من الصحابيات ومن سار على نهجهن..وتأملي كيف لم يمنعهن الحياء من السؤال والتفقه في أمور دينهن.
5) أكثري من الإطلاع وتذكير نفسك بفضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6) إتخذي لك صحبة صالحة تشد من عضدك وتقوي عزيمتك ومع الوقت ستتأثرين بهن وتتعودين على الجرأة والانطلاق.
7) لا يحطمك اليأس ولا تكترثي بما يقوله الناس ما دمتِ على الحق وتذكري أن رسولنا عليه الصلاة والسلام قوبل بالتكذيب والسب والطرد، وذاق ألواناً شتى من الأذى فعليك بالصبر والتحمل قال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10].
8) تذكري أن الأمة بحاجة لجهودك وأن الأعداء يتربصون بنا أيما تربص فإن قصرتِ تركت لهم فجوة يتسللون منها إلينا..فإحذري أن يؤتى الدين من قبلك.
9) إحملي شعار الرحمة بأختك فإذا رأيتيها على خطأ أشفقي عليها ولا تبخلي عليها بالنصح فلربما كانت هدايتها على يديكِ.
10) التحقي بدورات لتطوير الذات وتنمية المهارات حتى تتخطي أسوار الخجل وتتعلمي الجرأة والشجاعة فإنما العلم بالتعلم.
وفي الختام: تذكري أن مجال الدعوة واسع وميدانها رحب فسيح وليست قاصرة على مجرد إلقاء الكلمات والدروس.
بل تستطيعين الدعوة بأخلاقك وبقلمك وبإبتسامتك وبتوزيع الشريط النافع والكتاب القيم وبدعوة الناس لحضور المحاضرات والدروس.
فإحرصي أن لا تتخلفي عن الركب ولا تتوقفي عن الدعوة بحجة الخجل فإن الله أمرنا بتبليغ الدين والدعوة إليه قال صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية» البخاري.
أسال الله أن يجعلكنّ من إمائه الصالحات ويجعلكنّ هاديات مهديات غير ضالات ولا مُضلاَّت.
الكاتب: محمد النونان.
المصدر: موقع ياله من دين.